تواجه الهند واحدة من أكبر الأزمات في تاريخها، وربما الأسوأ في أي بلد، أثناء هذه الجائحة المروعة. فالمستشفيات ينفد منها ما يلزم المرضى من أسرّة وليس لديها ما يكفي من أفراد فريق العمل، وتفتقر لأوكسجين التنفس. والمرضى يلقون حتفهم بأعداد كبيرة وتحرق جثثهم بعد الموت بالجملة في مراسم جنائزية جماعية. والبلاد تسجل أكثر من 300 ألف إصابة جديدة وأكثر من ثلاثة آلاف وفاة في اليوم. ويشير خبراء إلى أن كلا هذه الأرقام أقل من الواقع بكثير على الأرجح.
صحيح أن بعض المبادرات يجري القيام بها لتوفير المواد لتعزيز إنتاج اللقاحات بكميات كبيرة لكن هذه الجهود ستستغرق أسابيع أو شهوراً حتى تُحدث تأثيراً. والهند لن تستطيع تحصين المرضى والخروج من هذا التصاعد في الإصابات سريعاً. وحتى لو تبرعت الولايات المتحدة بكل ما لديها من جرعات اللقاح للهند الآن، سيستغرق الأمر شهوراً حتى يجري تحصين عدد كاف من الناس للتحكم في التفشي. كما أن الإغلاق، كما فعلت بعض الولايات والمدن من جديد، يمكن أن يعرقل سريعاً انتقال الفيروس، لكن في بلد به معدلات عالية من الفقر والعمل غير الرسمي وشبكات أمان اجتماعي لا يمكن الاعتماد عليها، يتعين تطبيق القيود إلى جانب دعم اجتماعي واقتصادي ملائم للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض.
ولدى الهند عدد من هذه البرامج في السياسة والوثائق، لكن تطبيقها الفعلي مهلهل حتى في أوقات غير الأزمات. فلم يكف أي منها لتقليص التداعيات في أول جولة من عمليات الإغلاق. فأي إغلاق جديد قد يدفع العمال في القطاع غير الرسمي في المدن إلى العودة تلقائيا إلى قراهم، وربما يكون هؤلاء حاملين لفيروس كورونا وبالتالي ينشرون المرض. لكن هناك تدخلين آخرين يمكن تطبيقهما على الفور تقريبا لمواجهة تسونامي الإصابة وهما: المزيد من ارتداء الكمامات والسرعة في إجراء اختبارات الأجسام المضادة في المنازل. والبيت الأبيض يرسل ملايين من هذه الكمامات وأدوات الاختبار إلى الهند كجزء من مساعدات الطوارئ الأميركية، وهي بداية جيدة. لكن مع وجود أكثر من 1.3 مليار نسمة في الهند يتعين توفير المزيد.
ينتقل فيروس كورونا عبر جزيئات رذاذ التنفس بما في ذلك البخار الذي قد يتسرب عبر أو من حول أنواع كثيرة من الكمامات القماشية. وكمامات «هاي-فاي» المزودة بعملية تصفية عالية المستوى ومحكمة حول الفم والأنف يمكن الاعتماد عليها أكثر في منع مثل هذه الجزيئات. وهناك عدد من هذه الكمامات تحقق هذا مثل(إن.95) وكمامات اللدائن التي يمكن إعادة استخدامها من الولايات المتحدة وكمامات(كيه. إن. 95) من الصين وكمامات (كيه. إف. 94)من كوريا الجنوبية وكمامات (إف. إف. بي.2)من أوروبا. وتحتاج الهند إلى تقييم عاجل لتوافر هذه الكمامات والبدء بحملة لتوفيرها وتوزيعها بأعداد كبيرة. وعلى سبيل المثال، عرض أحد المصنعين الأميركيين التبرع صراحةً بمئات الملايين من هذه الكمامات.
ويجب على الهند بذل جهود للإسراع بالإنتاج المنزلي. ومن الخيارات الأخرى، الإنتاج والتوزيع الكبيرين لأدوات إضافية تساعد في إحكام إغلاق الكمامات الطبية المتاحة على امتداد الهند. وأدوات إحكام الإغلاق تلك بسيطة وتصنع من مواد متوافرة مما يسمح بتوسع الإنتاج فيها على الفور. وأحد السبل الارتجالية التي يمكن استخدامها إلى حين توافر خيارات أخرى، يتمثل في وضع كمامتين، تكون الكمامة القماشية فوق الكمامة الطبية لتحسين الإحكام.
وإذا اُرتديت هذه الكمامات أثناء التواجد في الأماكن المغلقة ووسط التجمعات، فهذا قد يعرقل سريعاً انتقال الفيروس. ويمكن توزيعها على نطاق واسع من خلال القنوات القائمة بالفعل مثل النظام القومي لتوزيع إعانات الغذاء الذي يتكفل فيه شخص معين في كل قرية بتوزيع حصص الغذاء. وبالإضافة إلى هذا، ولتحقيق انتشار مثل هذه الكمامات، يتعين على سياسيين ومشاهير الترويج لهذه الكمامات.
والتدخل الثاني الذي قد يكون له تأثير مباشر هو الانتشار واسع النطاق لاختبارات الأجسام المضادة التي يمكنها كشف النتائج في دقائق ويمكن لعمال الصحة من الطوائف المختلفة القيام بهذا وهم منتشرون بالفعل على مستوى البلاد في الهند. أو ربما يقوم بذلك الأشخاص أنفسهم. وحاليا تعتمد الهند على اختبار «بي. سي. آر.»، لكن مع الأخذ في الاعتبار الحجم الكبير والانتقال السريع للفيروس، لا يمكن نشر هذا النوع من الاختبار على نطاق واسع بما يكفي، ولا يمكنه الوصول إلى نتائج بسرعة كافية للتعرف على المصابين قبل الانتقال إلى الآخرين أو الإصابة بالمرض. ويجادل بعض الخبراء ضد استخدام مثل هذه الاختبارات السريعة لأنها قد تتمخض أحياناً عن نتائج غير صحيحة.
لكن دراسات أظهرت أن الاختبارات السريعة قد تصبح دقيقة حين يكون الناس أكثر قدرة على نقل العدوى، ويمكن إجراؤها كل عدة أيام قليلة، حتى إذا لم يتم الكشف عن إصابة في أحد الأيام، فربما يمكن اكتشافها في الاختبار التالي. وعدم صحة النتيجة يمكن تقليصها باستخدام اختبار «بي. سي. آر.» أو اختبار سريع آخر يستهدف جسماً مضاداً آخر لتأكيد التشخيص. والتحدي الآخر يتعلق، بمدى توافر المكان والموارد الكافية لتحقيق العزل الآمن للشخص الذي أثبت الكشف إصابته بالفيروس. وهذا صعب في ظل الأزمة الحالية، لكن الطوائف يمكنها ربما تخصيص مبان أو أماكن في المدن والقرى لعزل المصابين وتوفير الغذاء والأساسيات الأخرى لهم.
وإذا تم تطبيق هذا على نطاق واسع، فهذا النهج قد يساعد في تمزيق سلاسل الانتشار بما يكفي لتقليص تصاعد الحالات. وتحتاج الهند إلى تقييم عاجل لسلسلة الإمدادات العالمية للاختبارات السريعة حتى يمكنها استيراد الإمدادات المتاحة وتوزيعها في أسرع وقت ممكن.
وإذا تم التطبيق على مستوى قومي بدعم عالمي، يمكن الإسراع بانتشار كمامات «هاي-فاي» وإجراء الاختبارات السريعة في غضون أسابيع إلى جانب جهود توعية الطوائف المختلفة بمدى أهمية هذه الإجراءات وكيفية تطبيقها. وهذه الإجراءات يمكنها تقليص المعدلات الكبيرة من الإصابات في الوقت الذي يجري فيه ترسيخ أقدام التدخلات طويلة الأمد في تحسين الرعاية الصحية وإعطاء اللقاحات. ودون هذه التدخلات العاجلة لإبطاء انتقال الفيروس، ستتفاقم الأزمة على الأرجح قبل أن تتحسن الأمور وسنفقد آلاف الأرواح الأخرى.
أدريش بهدر* وأبرار كاران** وديفابهاكتوني سريكريشن ***وأرنو إس. دهيلون****
*أدريش بهدر
طبيب ومدير «معهد تحسين الصحة» غير الهادف للربح للرعاية الصحية الأساسية في ريف الهند.
**أبرار كاران
طبيب بكلية الطب في هارفارد وعمل في فريق الاستجابة على كوفيدـ 19 في ولاية ماساشوستس وأيضاً في اللجنة المستقلة للاستعداد للجائحة وعمل في الصحة العالمية في أفريقيا جنوب وآسيا وأميركا اللاتينية.
***ديفابهاكتوني سريكريشن*
مؤسس موقع www.patientknowhow.com الذي يقدم محتوى تعليمي للمرضى.
****أرنو إس. دهيلون
معلم وطبيب في الصحة العالمية بكلية الطب بجامعة هارفارد وعمل من قبل مستشاراً لمهمة الصحة الريفية القومية في الهند ومشارك في تأسيس «معهد تحسين الصحة» غير الهادف للربح للرعاية الصحية الأساسية في ريف الهند.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»